فصل: باب النكاح وما يتعلق به:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة (نسخة منقحة)



.باب النكاح وما يتعلق به:

من صحة وفساد ومن له الإجبار من الأولياء وترتيبهم إلى غير ذلك وهو لغة الضم والتداخل، ويطلق على الوطء والعقد وأكثر استعماله في الوطء، ويسمى به العقد لكونه سبباً فيه، وهل هو حقيقة في الوطء مجاز في العقد أو العكس أو حقيقة؟ فيهما أقوال. أصحها الأول ابن عبد السلام، والثاني أقرب لغة والأول أقرب شرعاً أي حتى قيل لم يرد في القرآن إلا للعقد ولو في قوله تعالى: {حتى تنكح زوجاً غيره} (البقرة: 230) لأن المعنى حتى يعقد عليها لكن السنة بينت أن لا عبرة بالعقد في التحليل، بل حتى يحصل الوطء بعده، وقيل هو في هذه الآية بمعنى الوطء كما أنه كذلك في قوله تعالى: {الزاني لا ينكح} (النور: 3) الخ وثمرة الخلاف على الأولين من زنى بامرأة هل تحرم على ابنه وأبيه أم لا؟ قاله (تت) وقال ابن عرفة: عقد على مجرد متعة التلذذ بآدمية غير موجب قيمتها ببينة قبله غير عالم عاقدها حرمتها إن حرمها الكتاب على المشهور أو الإجماع على الآخر. اهـ. فقوله عقد جنس وعبّر به لأنه يفتقر إلى إيجاب وقبول. وقوله: على مجرد متعة من إضافة الصفة إلى الموصوف، والتقدير على متعة التلذذ المجردة، وخرج به العقد على المنافع كالإجارة ونحوها، ولم يقل عقد معاوضة كالبيع لأن المعاوضة هنا غير مقصودة والمقصود المعاشرة، ولذا يقولون: النكاح مبني على المكارمة وخرج بالمجردة العقد على شراء الأمة للوطء، وقوله: بآدمية خرج به العقد على الجنية. وقوله: غير موجب الخ حال من التلذذ أي حال كون التلذذ بتلك الآدمية غير موجب قيمتها، وأخرج به الأمة المحللة إن وقع بينة. وقوله: ببينة حال من التلذذ أيضاً أخرج به صور الزنا المشار لها بقول (خ): أو وجدا في بيت وأقرّا به وادعيا النكاح حدا. إلخ. وشمل قوله: ببينة الخ البينة الحقيقية والحكمية كتصديق الطارئين والخصي فيها لأنهما يصدقان في كون النكاح كان ببينة، وأما الفشو والعدل الواحد فإنه وإن قام كل منهما مقامها في نفي الحد فإنما ذلك لكونهما شبهة لا لثبوت النكاح بهما، ولذا كان يفسخ.
فإن قلت: الفسخ بطلاق وهو فرع النكاح. فالجواب: أن الطلاق إنما لزم مؤاخذة لهما بالإقرار أن العقد كان بشاهدين فدرأنا الحد للشبهة وألزمنا الطلاق مراعاة للإقرار قاله ابن رشد. وقوله: غير عالم صفة لعقد أو حال من المتعة أي حال كون المتعة المعقود عليها غير عالم عاقدها حرمتها فإن علم حرمتها فزنا وهل مطلقاً حرمها الكتاب كالأخت أو الإجماع كبنت الأخ من الرضاع أو إنما يكون زناً إن كان تحريمها بالكتاب لا بغيره؟ قولان. المشهور الثاني. وقول بعضهم صوابه أو الكتاب أو الإجماع على الآخر، وقول آخرين صوابه أو والإجماع بزيادة الواو بعد أو كله لا حاجة إليه لأن من اعتبر الإجماع يعتبر الكتاب إذ كل ما في الكتاب مجمع عليه على أن من قال باعتبار الإجماع يقول باعتبار الكتاب بالأحرى.
تنبيه:
فهم مما مرّ أن الطارئين إذا تقاررا على النكاح واتفقا عليه قبل قولهما، وأما إن كانا من أهل البلد ففي أقضية البرزلي لا يقضي القاضي بقولهما أنهما زوجان إلا بعد إثبات أصل النكاح قال: والعمل اليوم أنهما لابد أن يثبتا عند قاضي الأنكحة أنه يحوزها بحوز الزوجية بجماعة من الموضع الذي هما به، وكذا إذا طلقها وأراد ارتجاعها ولم يأتيا بالصداق أو تجحده المرأة ولم يعثرا على شاهدي النكاح، فلابد من تعريف القاضي بأنه كان يحوزها واستعمال موجب الارتجاع فيسمع الطلاق منهما ويعملان على موجب الرجعة. اهـ. وستأتي كيفية وثيقة النكاح عند قوله: والمهر والصيغة إلخ.
وَبِاعْتبَارِ النَّاكِحِ والنِّكَاحُ ** واجِبٌ أَوْ مَنْدوُبٌ أَوْ مُبَاحُ

(وباعتبار الناكح) يتعلق بمحذوف خبر عن قوله. (النكاح) على حذف مضاف أي حكم النكاح يختلف باعتبار حال الناكح ويدل على حذف الخبر والمضاف المذكورين قوله: (واجب أو مندوب أو مباح) أو حرام أو مكروه فتعرض له الأحكام الخمسة، فيجب على الراغب فيه إن خشي العنت ولم يكفه الصوم أو التسري ولو مع اتفاق عليها من حرام، وإن أعفه أحدهما فالنكاح أولى والمرأة مثل الرجل إلا في التسري. ابن عرفة: وقد يوجبه عليها عجزها عن حفظها أو سترها إلاّ به ويندب إن لم يخش العنت رجا نسله أو لا، ولو قطعه عن عبادة غير واجبة وكذا إن كان لا أرب له في النساء ورجا نسله وإلاَّ فمباح حيث لم يقطعه عن عبادة كالعقيم والشيخ الفاني والخصي والمجبوب، ويكره لغير الراغب فيه ويقطعه عن عبادة غير واجبة، وظاهر المازري ولو رجا النسل وصرح به. (ز): ويحرم فيما عدا الأول من هذه الأقسام إن خشي ضرراً بالمرأة بعدم وطء أو نفقة أو كسب محرم، ولو راغباً فيه لم يخش عنتاً، ولابن بشير عن بعضهم كما في ابن عرفة تقسيم آخر. قال: إن خاف العنت وجب وإلاَّ حرم إن أضر بالمرأة لعجزه عن الوطء أو مطلق النفقة أو للأمن من مال حرام وإلاَّ ندب إليه إن تشوق إليه وتشوش عليه فعله إن تركه وإلاَّ كره له إن لم تكن له حاجة أو قدر على التعفف وتزويجه يضيق حاله ومباح إن تساوت أحواله. اهـ. وما تقدم من أنه يجب على من خشي العنت ولو مع إنفاق من حرام هو ما يفيده كلام ابن بشير المتقدم وكلام الشامل، واعترضه ابن رحال بأن الخائف من العنت مكلف بترك الزنا كما هو مكلف بترك التزوج الحرام، فلا يحل فعل محرم لدفع محرم وإنما يصار لمثل هذا عند الإكراه كالمرأة لا تجد ما يسد رمقها إلا بالزنا. اهـ.
قلت: نحوه قول القلشاني عاطفاً على الممنوع ما نصه: أو بكسب من مال لا يحل إلخ. وقد يرد بأن ما قالوه هو من باب ارتكاب أخف الضررين كما أن ما فعلته المرأة المذكورة كذلك لأن الإضرار بالزوجة بعدم الإنفاق أخف من الزنا لأن الإنفاق يمكن إسقاطه لأنه حق لها وإطعامها من الحرام يمكن التحلل منه، وأيضاً فإن كلاً منهما مترقب فيمكن عدم حصوله لقوله تعالى: {إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله} (النور: 32) الآية. ولأنه يزجز عن الإضرار وإطعامها الحرام وإلاَّ طلق عليه على أن إطعامها الحرام فسق والفاسق غير كفء فللزوجة الفسخ ولها الرضا كما يأتي عند قوله: وحيثما زوج بكراً غير الأب. وبالجملة، فهذا يجب عليه التزوج كما يجب عليه ترك الإنفاق من حرام فهو مكلف بأمرين فيرتكب أخفهما. ثم إن فائدته غض البصر وتحصين الفرج والإطلاع على معظم لذة من لذات الجنة، وكثرة النسل لقوله عليه السلام: (تناكحوا تناسلوا) الحديث. ويستحب نكاح البكر لقوله عليه السلام: (عليكم بنكاح الأبكار فإنهن أعذب أفواهاً وأنتق أرحاماً وأرضى باليسير) وقال: (هلا بكراً تلاعبها وتلاعبك) وأن يخطب يوم الجمعة بعد صلاة العصر ويكره صدر النهار كما في الطرر، وأن يعقد في شوال كما فعل عليه الصلاة والسلام بعائشة رضي الله عنها، وأن يبني به وأن يخالف الجهال في تركهم فعل ذلك في المحرم، بل يقصد العقد والدخول فيه تمسكاً بما عظم الله ورسوله من حرمته ورجاء بركته كما في آخر السفر الأول من المعيار قاله (م).
والمَهْرُ والصِّيغَةُ والزَّوْجَانِ ** ثُمَّ الْوَلِيُّ جُمْلَةُ الأرْكانِ

(والمهر) مبتدأ (والصيغة والزوجان) معطوفان عليه (ثم) للترتيب الإخباري (الولي) معطوف أيضاً (جملة الأركان) خبر، ويجوز العكس، ومراده كابن الحاجب و(خ) بالركن ما لا توجد الحقيقة الشرعية إلا به فتدخل الخمسة التي في النظم لأن العقد لا يتصور إلا من عاقدين وهما شرعا الولي والزوج، ومن معقود عليه وهي الزوجة والصداق نصاً كما في نكاح التسمية أو حكماً في التفويض إذ الصداق فيه موجود حكماً لأنهما لم يدخلا على إسقاطه ولو دخلا على إسقاطه لم يصح كما يأتي ولا يتصور أيضاً إلا بصيغة وقد خصها الشرع بما يأتي في قوله فالصيغة النطق إلخ. وقد عد في الشامل هذه الأركان شروطاً لأن النكاح الذي هو العقد معنى من المعاني والزوجان والولي والصداق ذوات فلا يصح تفسيره بها، وأركان الشيء أجزاؤه، وهذه خارجة عنه. وكذا الصيغة خارجة عنه إذ بها يوجد العقد الذي هو الربط، وجعل ابن محرز الولي والصداق والشهود شروطاً والزوجين ركناً وهو أظهر ولا يعكر عليه ما مرّ لأن المقصود من الزوجين رضاهما والرضا معنى يصح تفسير النكاح به، ولذا قال (ح): الظاهر أن الزوج والزوجة ركنان والولي والصيغة شرطان، وأما الصداق والشهود فليسا بركنين ولا شرطين لأن الشهادة شرط في الدخول لا في العقد والصداق لا يشترط التعرض له، وإنما يشترط أن لا يدخلا على إسقاطه اه باختصار فقوله: والولي الخ يريد إن كان غير مجبر وإلاَّ فرضاه ركن لا شرط تأمل. وقد علمت أن من نظر إلى أن العقد الشرعي لا يوجد إلا بها عدها أركاناً، ومن نظر إلى كونها خارجة عنه وأنها غيره لم يصح تفسيره بها عدها شروطاً، ومن نظر إلى أن العقد لغة يوجد في نفسه من عاقد وهو الزوج والزوجة، لكن يشترط في صحته شرعاً الولي والصيغة جعل الأولين ركنين والثانيين شرطين، والكل صحيح معنى والله أعلم، فإن زوجت نفسها بغير ولي فسخ ولو طال وهل بطلاق؟ قولان: لابن القاسم وابن نافع. وكيفية وثيقته تزوج فلان الفلاني فلانة الفلانية البكر في حجر والدها المذكور، وتحت ولاية نظره الحل للنكاح على صداق مبارك مبلغ قدره كذا وكالته كذا يؤديه لها تقاضياً بحسب كذا آخر كل عام تزوجها بكلمة الله العلية، وعلى سنة نبيه (صلى الله عليه وسلم) وعلى اليمين والأمان، وما جاء في محكم القرآن من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان أنكحه إياها والدها المذكور أو وصيها المجبر بماله من الإجبار عليها حسبما يرسم الإيصاء أعلاه أو حوله، أو وليها أخوها فلان أو عمها أو ابن عمها وقبله الزوج المذكور قبولاً تاماً وارتضاه وألزمه نفسه وأمضاه، والله يوفق بينهما لما يحبه ويرضاه عرفاً قدره شهد عليهما به وهما بأتمه أو أكمله وعرفهما، وفي كذا، ولا شك أن الوثيقة تضمنت الأركان المذكورة واحترزت بقولي البكر من الثيب فلابد من إذنها زوجها أبوها أو غيره كما يأتي في قوله: وتأذن الثيب بالإفصاح إلخ. فإن سقط ذلك من الرسم ولم يبين بكراً ولا ثيباً فلا كلام للزوج كما قال (خ): ولا رد بالثيوبة إلا أن يقول عذراء إلخ. وسيأتي قول الناظم أيضاً: والزوج حيث لم يجدها بكراً إلخ. وبقولي في حجر والدها مما لو كانت بكراً وليست في حجره كالمرشدة ومثلها المعنسة فلابد من إذنهما أيضاً كما يأتي في نظائره عند قوله: واستنطقت لزائد في العقد إلخ. وبقولي: الحل للنكاح إلخ. احترازاً من الموانع التي تمنع تزوجها من عدة وفاة أو كونها في نكاح آخر ونحو ذلك فإن سقط ذلك من الرسم لم يضر لأن الأصل انتفاء المانع، وفي المعيار عن ابن المكودي أن النكاح على السلامة والصحة إن سقط من رسمه خلو من زوج وفي غير عدة وأنه لا يحتاج إلى ذكره، وسيأتي عند قول الناظم وحيثما العقد لقاض قد ولى إلخ. ما إذا سقط ذلك في الثيب وأن (ح) استظهر أن سقوطه غير مضر وفي الفشتالي ما يخالفه وبقولي على صداق مبارك إلخ. مما لو نصوا على إسقاطه فالعقد فاسد يفسخ قبل البناء اتفاقاً وفي فسخه بعده وتصحيحه بصداق المثل. قولان، وإن لم يتعرضوا له أصلاً فهو نكاح تفويض وسيأتي عند قوله: أو ما فوّضا فيه وحتماً للدخول فرضا الخ، وبقولي مبلغ نقده كذا مما لو لم يتعرضوا لقدره وسيأتي في قوله:
والزوج والزوجة مهما اختلفا ** في قدر مهر والنكاح عرفا

أي: عرف ببينة أو إقرار ولا تسقط البينة لجهلها القدر، وقد أنكر أحدهما النكاح من أصله كما مرّ عند قوله: ولم يحقق عند ذاك العددا إلخ. وقولي مبلغ نقده كذا إلخ. لابد فيه من بيان السكة كما يأتي عند قوله: وكل ما يصح ملكاً يمهر إلخ. فإن قالوا نقدها كذا أو أقبضها أو عجل لها أو قدم، ونحوه بصيغة الماضي في الجميع فذلك مقتض لقبضه وإن قالوا النقد من ذلك كذا أو مبلغ النقد ونحوه، فهو مقتض لبقائه وإن قالوا: نقده كذا بالمصدر فقولان. قال ذلك كله في الشامل ونحوه قول ناظم العمل: إن قيل نقده كذا لا نقد إلخ. فإن قالوا: مبلغ نقده كذا يؤديه ليلة الدخول بها والدخول مختلف. فقيل: يفسخ للجهل بليلة الدخول. وقيل: لا، وبه العمل قال ناظمه:
والنقد إن أجل بالدخول ** إليه من عقد على الحلول

وسيأتي بقية الكلام عليه عند قوله وأمد الكوالئ المعينة، وبقولي وكالته كذا إلخ. مما لو بينوا قدر الصداق ولم يتعرضوا لنقد ولا لكالئ فيجري على ما قالوه في الاختلاف في أصل الأجل في البيع فيما يظهر فيحمل على الحلول إلا لعرف على أنه قد نقل البرزلي عن ابن رشد في مسائل الأنكحة أنه محمول على الحلول حيث لم يذكروا تأجيلاً ولا ضده، واقتصر عليه في الشامل ونحوه في المدونة، لكن قال أبو الحسن: لو اتفق هذا في زمننا لكان النكاح فاسداً لأن العرف جرى بأنه لابد من الكالئ فيكون الزوجان قد دخلا على الكالئ ولم يضربا له أجلاً. اهـ. وانظر ما يأتي عند قوله: وأمد الكوالئ المعينة إلخ. وبقولي بحسب كذا آخر كل عام إلخ. مما لو ذكروا الكالئ ولم يتعرضوا لأجله فسيأتي في قوله: وأجل الكالئ مهما أغفلا إلخ. والكلمة العلية هي قول لا إله إلا الله محمد رسول الله. إذ لا يحل لكافر أن يتزوج مسلمة. وقيل هي قوله تعالى: {فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} (البقرة: 229) والدرجة التي قال تعالى: {وللرجال عليهن درجة} (البقرة: 228) الآية هي الطلاق الذي بيده، وقيل الشهادة التي هي أكمل من شهادة المرأة، وقيل غير ذلك. وقولي: بما له من الإجبار الخ راجع للوصي المجبر، وتقول في الأب بما ملكه الله من أمرها وذلك كله ظاهر في عدم الاستئمار والمشاورة وإن كانت مشاورتهما أحسن وأحوط ليخرج من الخلاف، وقولي حسبما برسم الإيصاء الخ إشارة إلى أنه لابد من نسخ رسم الإيصاء لئلا تدعي أنه ليس بوصي عليها، وهذا إذا أنكحها المجبر فإن زوجها غيره زدت في الأوصاف المتقدمة البالغ فتقول البكر البالغ إلخ. وقلت: أنكحها أخوها أو ابن عمها كما أشرنا إليه ولابد حينئذ من أن نقول بإذنها ورضاها وتفويضها ذلك إليه تلقاه منها شهيداه أو غيرهما حسبما أعلاه أو حوله بعد أن استؤمرت وأعلمت بالزوج بعلاً، وبما بذل لها من الصداق مهراً فصمتت أو بكت ونحو ذلك كما يأتي في قوله: والصمت إذن البكر في النكاح إلخ. ولا تزوج إلا بعد البلوغ وثبوت أنه لا أب لها ولا وصي وأن الصداق صداق مثلها إلى غير ذلك كما يأتي في قوله:
وحيثما زوج بكراً غير الأب ** فمع بلوغ بعد إثبات السبب

إلخ. ويقبل قولها في البلوغ عند إرادة النكاح إذا أشبه قولها كما في البرزلي وفي المعيار عن ابن الحاج أنه يعرف بلوغها في وجهها وقدها ويخبره ثقات النساء فيشهد الشاهد به معتمداً على ذلك إلخ. فإن ادعت بعد العقد أنها غير بالغة وقد كانت أقرب به حين العقد، فلا يلتفت إلى دعواها لأن إقرارها عامل في مثل هذا، فإن نظر إليها النساء فشهدن بعدم البلوغ ففي البرزلي ونقله (ح) أنه يفسخ النكاح، وفي المعيار أواخر الكراس الأول من الأنكحة عن اليزناسني أن البينة بعدم بلوغها لا تقبل قائلاً قد جاءت الروايات بطرح البينة المقابلة لما أقرت به المرأة فيما تصدق فيه من ذلك دعوى المرأة الإصابة بعدم إرخاء الستر، وينكرها الزوج ويقيم بينة بالنساء أنها عذراء فيغرم جميع الصداق ومن ذلك لو أقرت المطلقة أنها دخلت في الحيضة الثالثة فينظرنها النساء فلا يرين دماً بها فإنها تبين بمجرد قولها. واحتج أيضاً بأن النساء يعتمدن في شهادتهن على عدم البلوغ بعدم الإنبات وهي قد تزيل الشعر بحيث لا يرى الناظر شيئاً.
قلت: وأيضاً فإن البلوغ لا ينحصر في الإنبات بل يكون بالاحتلام والسن، وما للبرزلي هو الذي يقتضيه ابن هلال والفائق كما في شرح ناظم العمل عند قوله: وجاز للنسوة للفرج النظر إلخ. وإذا قلنا بقبول بينتها بعدم إقرارها به أو لم يضمن الشهود إقرارها به فإن شهدت بينة بعدم البلوغ بعد أن صرح شهود الصداق بالبلوغ فذلك من التعارض. ولا يقال تصريحهم في رسم الصداق بالبلوغ مجرد حكاية، لأنا نقول الحكاية المجردة جرت عادتهم بالتبرئ منها فيقولون: قبل فلان لزوجه بزعمه ولا وارث له سوى من ذكر في علم من علمه إلى غير ذلك، فكذلك هؤلاء حيث قالوا: البالغ ولم يزيدوا بزعمها علم أن شهادتهم بالبلوغ مقصودة قاله في المعيار عن ابن عطية الونشريسي، وإذا ثبت التعارض فيجري ذلك على ما مرّ في آخر الشهادات فانظر ذلك هناك. وقوله: جرت العادة الخ، ظاهر إذا كان الشهود من أولي العلم وإلاَّ فلا. وتأمل ما قالوه من الفسخ مع ما في ضيح وابن عبد السلام من أن شهادة النساء لا تعمل فيما يوجب الفراق، ونقله شارح نظم العمل في المحل المذكور، وقولي وقبله الزوج إلخ. أي بفور علمه بالإيجاب ولا يضر التأخير اليسير فإن تأخر الإشهاد على الزوج بالقبول أو على الولي بالإيجاب كما لو عقد الأب النكاح على ابنه المالك أمر نفسه أو يعقد الولي على وليته ويتأخر إعلامها أو ينعقد النكاح بين الزوجين ويتأخر إعلام الولي، فذلك كله هو النكاح الموقوف ثالث الأقوال فيه كما في الفشتالي: إن قرب جاز وإن بعد لم يجز، ومحل الخلاف إذا لم يدع الوكالة ولم يقر بالافتيات. اهـ. وهو معنى قول (خ) وصح إن قرب رضاها بالبلد ولم يقرّ به أي بالافتيات حال العقد الخ، وقال أيضاً: وحلف رشيد وأجنبي وامرأة أنكروا الرضا والأمر حضوراً إن لم ينكروا بمجرد علمهم وإن طال كثير الزم إلخ. وحد القرب اليومان عند سحنون والثلاثة على ما أفتى به ابن لب قائلاً، وبه العمل في هذه الأزمنة.
وسبب الخلاف بين القولين الأولين من الثلاثة هل الخيار الحكمي كالشرطي أم لا؟ ومفهوم قوله: بالبلد أنه إذا كان بغير البلد لم يصح فمن سحنون: قلت لابن القاسم فيمن زوج ابنه الكبير المنقطع عنه وهو غائب فبلغه ذلك فرضي وكان بعيداً عن موضعه فقال: لا يقام على هذا النكاح وإن رضي لأنهما لو ماتا لم يتوارثا. اهـ. فالغائب تارة يكون غائباً عن محل العقد حاضراً بالبلد، وتارة يكون غائباً عن الوطن قاله ابن عرضون في جواب له.
قلت: وتأمله مع ما مرّ من أن حد القرب اليومان والثلاثة فلعل هذا إنما يتمشى على قول عيسى من أن حد القرب كون العقد بالسوق أو بالمسجد ويصار إليها بالخبر من وقته واليوم بعد اه، ووقعت نازلة وهي أن رجلاً زوج ولده المالك أمره أو أخاه وقبل له ذلك ولم يسمع من المعقود عليه ردّ ولا قبول حتى مات بعد ثلاثة أعوام، والحال أن العاقد لم يدع توكيلاً ولا أقر بافتيات فأجاب ابن عرضون والقصار وغيرهما بأن عاقد نكاح غيره وإن غائباً يحمل على الإذن لأن الغالب أنه لا يعقد أحد نكاح غيره إلا بإذنه، وقاله ابن رشد. اهـ. من الزياتي باختصار، ثم إنه تقدم حكم ما إذا سقط من الوثيقة معرفة القدر عند قوله: والتركات ما تكون الصلح إلخ. كما تقدم أيضاً حكم ما إذا سقطت المعرفة أو التعريف عند قوله: ويشهد الشاهد بالإقرار إلخ. وتقدم أيضاً حكم ما إذا سقط وهو بأتمه.
تنبيهان:
الأول: يثبت النكاح بعد الموت بشهادة العدل الواحد ولو الخاطب على قبول الزوج أو توكيل الزوجة لأنه غير عاقد فليس شاهداً على فعل نفسه وذلك راجع للمال فيثبت بالشاهد واليمين كما مرّ، وسواء أخذ الخاطب على خطبته أجراً أم لا على ما به العمل كما لابن ناجي. الثاني: لا يلزم الزوج تعجيل النقد إلا أن يدعى للبناء وهو بالغ وهي ممن تطيق الوطء، وإن لم تحض بخلاف ما لو أصدقها معيناً كعرض ورقيق ونحوهما فيجب تعجيله، ولا يجوز اشتراط تأخيره كالبيع (خ) ووجب تسليمه إن تعين وإلاَّ فلها منع نفسها إلخ. ويقبضه مجبر ووصي لا غيرهما ولو تولى عقد النكاح إلا بوكالة منصوص فيها على القبض أو يتطوع بضمانة قال الغرناطي: تسمى في الوثيقة الزوجين وعدد الصداق ومن أي سكة هو وقبض النقد أو حلوله وفي تأجيله إلى البناء خلاف وتسمى قابضة ومن يجوز له قبضه أو تطوع القابض بضمانه إلخ.
وفي الدُّخُولِ الخَتْمُ في الإشْهَادِ ** وَهُوَ مُكَمِّلٌ في الانْعِقَادِ

(وفي الدخول) خبر عن قوله (الختم في الإشهاد) يتعلق بالختم (وهو) مبتدأ (مكمل) خبره (في الانعقاد) يتعلق به أو بمحذوف حال من المبتدأ أي الواجب في الإشهاد كونه عند الدخول وهو حال كونه كائناً في الانعقاد أي عند العقد محصل الكمال. أي: الندب خوف موت أحدهما أو إنكاره فعلم منه أن الإشهاد ليس شرطاً في صحة النكاح ولا ركناً فيه لوجود العقد وصحته بحصول الإيجاب من الولي والقبول من الزوج، وإنما هو شرط في الدخول فإن دخل بغير إشهاد فسخ بطلقة بائنة كما قال (خ) وفسخ إن دخل بلاه ولا حدّ إن فشا ولو علم فإن لم يكن فشو حد إن أقرا بالوطء وإلا عوقبا فقط، ولو جهلا وجوب الإشهاد ابن يونس والباجي: والشاهد الواحد لهما بالنكاح ومعرفة ابتنائهما باسم النكاح، وذكره، وإظهاره كالأمر الفاشي في سقوط الحد قاله ابن الماجشون وأصبغ. وإذا فسخ فلهما المراجعة بعد الاستبراء بثلاث حيض وتحرم على آبائه وأبنائه فإن عقد الأب على ابنه في غيبته القريبة بحيث لو رضي لصح، لكنه لم يرض فتحرم على أصوله وفصوله أيضاً، وإن عقد عليه في حال غيبته البعيدة بحيث لو رضي لم يصح على ما مر تفصيله لم تحرم قاله ابن حبيب. وظاهر النظم كغيره أنه يفسخ وإن طال وولدت الأولاد وأن الشهرة وحدها من غير إشهاد لا تكفي في عدم الفسخ وهو ما ذكره الشارح عن بعض شراح الرسالة قال: وأفتى ابن لب بأن الإشهاد بالنكاح وشهرته مع علم الولي والزوجين يكفي وإن لم يحصل إشهاد قال: وهكذا كانت أنكحة كثير من السلف وفي الجواهر ولم تكن أنكحة السلف بإشهاد. اهـ.
قلت: وهذا الذي يدل عليه قول ابن سلمون فإن كان النكاح والدخول شائعاً مشتهراً سقط الحد باتفاق وثبت النكاح. اهـ. فتأمل قوله وثبت النكاح. قال سيدي أحمد البعل في جواب له نقله العلمي في نوازله بعد أن ذكر ما نصه: من أراد سلوك ما نقله الموثقون فليفسخ كل نكاح دخل صاحبه بغير إشهاد للنصوص الواردة بذلك، وما يفهم من عدم فسخه على ما للأقدمين عملاً على الشهرة لا يعول عليه لأن الموثقين سبقونا إلى كلامهم فلو عدلوا عنه إلى الفسخ، فلما فهم منهم أنهم لا يكتفون فيه بالشهرة اه باختصار.
قلت: تأمله مع تعليلهم الفسخ بأنه سد لذريعة الفساد إذ لا يشاء إثنان يجتمعان في خلوة على فساد إلا فعلا مثل ذلك وادعيا سبق عقد بغير إشهاد فيؤدي إلى ارتفاع حد الزنا والتعزير إلخ. ولا شك أن الشهرة ينتفي بها التعليل المذكور والحكم يدور مع علته. ولذا قال ابن شاس: ليس الإشهاد ركناً ولا شرطاً في العقد، وإنما هو شرط في الدخول والمقصود إعلان النكاح وإشهاره ليتميز عن الزنا، وإنما شرح الإشهاد لرفع الخلاف المتوقع بين الزوجين وإثبات حقوقهما، وعلى هذا جرت أنكحة الصحابة رضي الله عنهم ما كانت بشهادة. اهـ.
تنبيه:
ذكر في المعيار أواخر الكراس الثالث من أنكحته أن رجوع الشهود عن الشهادة بالنكاح بعد شهرته بالعقد والبناء غير مؤثر فانظره.
فالصِّيغَةُ النُّطْقُ بِما كأنكَحَا ** مِنْ مُقْتضٍ تَأبُّداً مُستوضحا

(فالصيغة) مبتدأ (النطق) خبره ويجوز العكس (بما) يتعلق بالنطق (كأنكحا) صلة ما (من) بيان لما (مقتض) صفة لمحذوف (تأبدا) مفعول بمقتض (مستوضحا) نعت له أي الصيغة من الولي هي النطق بما هو كأنكحا من كل لفظ مقتض التأبد الواضح فأدخلت الكاف زوجت، فإنه ينعقد النكاح به كأنكحت اتفاقاً وأدخلت أيضاً بعت وملكت ووهبت وتصدقت ومنحت وأعطيت ونحو ذلك حيث قصد بها النكاح وظاهره سمي معها صداقاً أم لا. إذ المدار عنده على كونها تقتضي التأبيد لا إن لم يقصد بها النكاح فلا ينعقد كما في شراح (خ) ومفهوم قوله: تأبدا الخ إنه لا ينعقد بنحو: أعمرت أو أوصيت أو وأجرتها لك أو أعرتها أو رهنتها لاقتضائها التوقيت دون التأبيد، وعدم اللزوم في الوصية وظاهره ولو قصد بها النكاح أو سمي معها الصداق، وما ذكره من أنه ينعقد بكل لفظ يقتضي التأبيد هو لابن القصار وعبد الوهاب والباجي وابن العربي ودرج عليه ابن الحاجب فقال: الصيغة كل لفظ يقتضي التأبيد مدة الحياة كأنكحت وزوجت وملكت وبعت وكذلك وهبت بتسمية الصداق. وقال في المقدمات: لا ينعقد بما عدا أنكحت وزوجت إلا لفظ الهبة حيث قرن بصداق وشهره في الشامل فقال: وصيغة بأنكحت وزوجت وفي وهبت مشهورها إن ذكر مهراً صح وإلاَّ فلا. وقيل: يصح ببعت وتصدقت بقصد نكاح، وقيل: بتحليل وإباحة وكل لفظ يقتضي تمليكاً مؤبداً إلا إجارة وعارية ورهناً ووصية إلخ. فأنت تراه حكى ما لابن العربي ومن معه بصيغة. قيل: المقتضية للتضعيف فيكون ما في المقدمات هو الراجح كما في شراح (خ) وأفهم قوله: كأنكحا أن المضارع ليس كالماضي ونحوه في الالتزامات قائلاً الأصل في المضارع الوعد، وفي الماضي اللزوم ونحوه لشراح المتن عند قوله في الخلع والبينة إن قال: إن أعطيتني ألفاً فارقتك أو أفارقك إن فهم الالتزام والوعد إن وطئها إلخ. وقال في ضيح المضارع في النكاح كالماضي وموه لأبي الحسن قائلاً يؤخذ منها أن لفظ المستقبل في النكاح كالماضي بخلاف البيع. اهـ. وفي الإلتزامات أن المضارع إنما يدل اللزوم مع قرينة دالة عليه تفهم من سياق الكلام بخلاف وقرائن الأحوال. اهـ. وينبغي أن يكون هذا هو المعتمد، وأما الصيغة من الزوج فهي قبلت ونحوه مما يدل على القبول وأفهم قوله النطق أن غيره من إشارة أو كتابة لا يكفي، ومنه يعلم حكم المسألة الأمليسية وهي ما جرت به عادة البلاد من أن الرجل يوجه من يخطب له فيجاب بالقبول ويتواعدون للعقد ليلة البناء، ثم يبعث الرجل بحناء وحوائج تتزين بها ويولول النساء ويسمع الناس والجيران فلان تزوج فلانة سئل عن ذلك أبو سالم بن إبراهيم الجلالي فقال: أما إن كانت العادة المذكورة جارية عندهم مجرى العقد المصطلح عليه بحيث يرتبون على تلك الأمور من إرسال الحناء وغيرها آثار النكاح، وأن المواعدة للعقد ليلة البناء ليست هي عندهم لإنشاء العقد بل للإشهاد بقدر المهر وأجله، وتحقيق ما قبض منه وما بقي خوف التنازع في ذلك فلا إشكال في لزوم النكاح وترتب آثاره عليه، وأما إن كانت العادة المذكورة إنما هي عندهم توطئة للعقد وأمارة على ميل كل لصاحبه فلا إشكال في عدم اللزوم وإن جهل الحال بحيث لو سئل أهل البلد هل يقصدون العقد المنبرم أو الوعد، وأن الانبرام إنما يقع ليلة البناء لم يجروا شيئاً فهذا محل الإشكال على ماذا يحمل هل الانبرام أو الوعد. ولعل هذا القسم هو محل الخلاف، فمن قال إنها تنزل منزلة العقد المنبرم ويقول: إن أركان النكاح كلها حاصلة لأن الدلالة الفعلية أقوى من القولية، ومن قال بعدم اللزوم يقول: إن تلك الأوصاف غير العقد فلا تنزل منزلته ولا يترتب عليها حكم فمما يدل على اللزوم جواب الشريف المزدغي في يتيمة عقد عليها أخوها بغير وكالة غير أن الناس حضروا وأكلوا وكان يبعث لها بالحناء والفاكهة والصابون في المواسم والأعياد قال فيه: إن صبغت بالحناء وأكلت من تلك الفاكهة مع علمها لزمها النكاح. اهـ. ونحوه كما يأتي للعبدوسي وابن لب والبرزلي، وما ذكره المزدغي وابن لب والعبدوسي يؤخذ من قول المتن وإن طال كثيراً لزم بالأخرى وما ذكره البرزلي يقيد بالطول الذي في المتن والله أعلم. ومما يدل على عدمه جواب أبي العباس البقيني في رجل خطب يتيمة من أخيها، واتفقوا على الزواج بعدد معلوم وحوائج وحضروا بمجلس واحد وأكلوا دون أن تقع بينهم شهادة وأعطاها العفصة وألقتها في رأسها، ثم إن الرجل فقد أو أسر هل يصح لغيره العقد عليها أم لا؟ فقال: لا نكاح بينهما ولا توارث ولا عدة، وبهذا جرت عادة المفتين، وأنه إذا لم يقع إشهاد فلا نكاح، وكان شيخنا سيدي إبراهيم بن فتوح يستشكل هذا، ولاسيما إذا عظم التراكن فيما مثل هذه المسألة. اهـ. هذا ملخص ما نقلوه من جواب الجلالي المذكور، ولم أقف على جوابه بعينه، ويؤيد ما للمزدغي ما أفتى به ابن لب والعبدوسي فيمن عقد عليها وليها بغير وكالة من أنها إذا هنيت حين العقد فلم تنكر، أو حضرت صنيع وليمتها دون إظهار نكير لزمها النكاح، وكذا نقل البرزلي عن الرماح أن النكاح إذا كان مشهوراً فإنه يغني عن توكيل البكر أو الثيب اه، ويؤيد ما للبقيني ما أجاب به السرقسطي في امرأة خطبت من والدها وأكلوا الطعام قال: إن ثبت أن والد الزوجة قال: زوجت ابنتي البكر فلانة من فلان وسمع من الزوج أنه قال: تزوجتها فإنهما يتوارثان وإلاَّ فلا. اهـ. وقال أيضاً في جواب آخر عن مثل النازلة الصيغة وهي اللفظ الدال على التزويج والتزوج ركن من أركان النكاح لا ينعقد إلا بها، فإن حصلت من الزوج والأب والأب مجبر حصل النكاح وإلاَّ فلا. اهـ. وبمثله أجاب (ق) وابن سراج كما في المعيار وغيره إلا أن البقيني علل بعدم الإشهاد وهم عللوا بفقد الصيغة قالوا: وهو الصواب في التعليل لما مر أن الإشهاد ليس شرطاً ولا ركناً.
قلت: اللهم إلا أن يكون جوابه في قوم عادتهم أن كل ما يفعلونه قبل الإشهاد لغو وقولهم وهو الصواب في التعليل يقتضي إن قوله في السؤال، واتفقوا على الزواج إلخ. أنهم عقدوا لا أنهم تواعدوا وإلاَّ ما حسن التعليل بفقد الإشهاد أو الصيغة لأن الذي لا عقد فيه لا يعلل بذلك لأنهم يقولون عقد فاتت فيه الصيغة أو الإشهاد ولا يقولون وعد فات فيه ما ذكر، وقوله: بعد ولاسيما إن عظم التراكن إلخ. لا ينافي ذلك لأن التراكن وإن بلغ ما بلغ لا يكون عقداً فالمراد بالتراكن العقد أي ولاسيما إن عظم ما يدل على العقد إلخ. والتعليل بفقد الصيغة هو الجاري على ما في النظم وغيره، وقال في اللباب: الصيغة من الولي لفظ إلخ. وبهذا يحسن مقابلة ما للبقيني بما للمزدغي ونصيرنا زلتاهما متحدتي المعنى وإن الافتيات على المرأة وقع فيهما، وزادت نازلة الثاني بفقد الصيغة لأن قوله: اتفقوا محتمل للاتفاق مع الصيغة أو مع عدمها، والمحتمل لا دليل فيه، ولذا قالوا: الصواب التعليل بفقدها، لكن حيث زادت نازلة الثاني بما ذكر أدى ذلك إلى اختلاف موضوع النازلتين وإن اتحدتا في الافتيات، وبهذا استشكلت المقابلة بين النازلتين، وعندي أنه مشكل من جهة أخرى، وذلك أن سيدي إبراهيم الجلالي أجمل في جوابه على حسب ما نقلوه عنه ووقفنا عليه لأنه لم يبين ما المراد بقول السائل فيجاب بالقبول إلخ. لأنه إن كان معناه أن الإيجاب وقع من الولي بشيء من الألفاظ المتقدمة في تقرير النظم من غير استئمار للمرأة ولا توكيل منها، وثبت ذلك ببينة أو إقرار بعد الموت أو النزاع فالمرأة حينئذ مفتات عليها فيجري حكمها على قول (خ) وصح إن قرب رضاها بالبلد ولم يقر به حال العقد إلخ. والزوج هنا غير مفتات عليه إن كان خاطباً لنفسه لأن الخاطب حينئذ وكيله إذ الفرض أن الخطبة بإذنه، فقول الخاطب فلان يقول لك زوج وليتك مني أو يخطب منك وليتك بمنزلة قول (خ) ويزوجني ففعل الخ، فالصيغة حينئذ موجودة من الولي إلا أنها تارة توجد بلفظ الإنكاح والتزويج وتارة بغيرهما فيجري ذلك على ما مرّ في تقرير النظم ولا يخفى أنهم قصدوا بها النكاح حتى رتبوا عليها الولاول ونحوها، وإن كان الإيجاب وقع من المخطوبة أو كان الباعث يخطب لولده لا لنفسه والموضوع بحاله فالافتيات وقع على الولي في الأولى ولا يصح النكاح بحال ولو أجازه الولي لأن عاقده امرأة وعلى الزوج في الثانية يجري حكمه على ما أشار له (خ) بقوله: وحلف رشيد وأجنبي إلى قوله: وإن طال كثيراً لزم إلخ. وإن كان الافتيات على الزوج والزوجة فيجري كل على حكمه على قول مرجوح فيه كما يأتي، وعلى هذا القسم أعني الافتيات على الزوجة فقط أو على الزوج فقط أو على الزوجين على القول المرجوح يتنزل جواب المزدغي، ومن ذكر معه لأن قبول الهدايا وحضور الوليمة والسكوت حين الشهرة أقوى من قول المتن وإن طال كثيراً لزم إلخ. وإن كان معناه يجاب بالقبول غالباً أي غالب أحوالهم أن يكون الإيجاب من الولي بشيء من تلك الألفاظ المتقدمة وتصدر عنه حينئذ تلك الأفعال، فينبغي أن يكون الحكم للغالب ويجري حينئذ حكمه على الوجه الذي قبله وإن كان قوله في السؤال فيجاب بالقبول إلخ. معناه أنهم أجابوه بإظهار ما يدل عليه من سرور وميل وليس هناك غالب ولا يدري هل كانت هناك صيغة أم لا؟ وتوكيل واستئمار أم لا؟ كما هو ظاهر جوابه بدليل قوله: بحيث يرتبون إلى قوله من إرسال الحناء، وبدليل قوله الدلالة الفعلية أقوى إلخ. فلا يخفى أن هذا لا يتنزل عليه جواب المزدغي ومن معه لأن المحقق حينئذ هو الميل والسرور، وبعث الهدايا وقبولها وغير ذلك من الصيغة ونحوها محتمل مشكوك هو في حكم العدم، ونازلة المزدغي صرح السائل فيها بالعقد فظاهره أنه إنما فات فيها التوكيل والاستئمار وغير ذلك من الأركان كله موجود، وهذا لا يتنزل عليه جواب اليقيني إن قلنا أن قوله في السؤال اتفقوا معناه تعاقدوا كما مرّ، وأما إن قلنا معناه وقع منهم ما يدل على الاتفاق ولا يدري بماذا هو ولا أنه كان بحضور المرأة أو توكيلها ولا يدرون ذلك فهو حينئذ أشبه شيء بهذا الاحتمال الذي نحن فيه، لكن لا ينبغي أن يعلل بعدم الإشهاد ولا بفقد الصيغة، بل بعدم وجود العقد من أصله إذ المحقق حينئذ هو وجود تلك الأفعال وغيرها محتمل في حكم العدم وهي وحدها لا دلالة فيها على العقد لأنها محتملة للعقد والوعد والمحتمل لا دلالة فيه، فإن كانت عادتهم وغالب أحوالهم أنهم يريدون بها انبرام العقد، وأنها لا تكون إلا بعده فيحسن حينئذ التعليل بفوات الصيغة التي هي اللفظ الدال على التزويج والتزوج إلخ. ومقابله من يقول أن النكاح ينعقد بغير صيغة بل بإشارة ونحوها ولو ممن يتأتى منه النطق وهو ظاهر قول المقري في قواعده كل نكاح، فالمعتبر في انعقاده ما دلّ على معناه لا في صيغة مخصوصة ويكون حينئذ الخلاف في القسم الأول من أقسام صدر الجواب لا في القسم الثالث الذي هو جهل الحال بما يريدون بتلك الأفعال لما علمت من أن المحتمل لا تثبت به الأحكام، وبالجملة إن حملنا السؤال في الأمليسية على المعنى الأول، فالحكم ظاهر وإن حملناه على الثاني كما هو مقتضى جواب سيدي إبراهيم المذكور فلا يحسن الاستدلال بما للمزدغي ولا بما للبقيني إن قلنا أن قوله في السؤال اتفقوا معناه تعاقدوا، وإن قلنا معناه وقع بينهم اتفاق فيفصل فإن كان غالب أحوالهم أنهم يقصدون بتلك الأفعال الانبرام فيجري الخلاف بين من يشترط الصيغة المخصوصة ومن لا يشترطها كالمقري في أول الأقسام فقط لا بين من يشترط الصيغة وبين المزدغي المذكور ولا في القسم الثالث إذ الأفعال المحتملة لا يثبت بها نكاح. اللهم إلا أن يقال وجه الاستدلال بما للمزدغي أن رضا الزوجة من أركان النكاح، وقد قام مقام رضاها أكلها وصبغها بالحناء أو حضور وليمتها ونحو ذلك. وإذا قامت الدلالة الفعلية مقام ركن من جانب فكذلك تقوم مقامه من جميع الجوانب كما في نازلتنا لكنه يحتاج لوصي بسفر عنه، ويكون حينئذ ما للمزدغي تقوية لما للمقري من عدم اشتراط صيغة مخصوصة فتحسن المقابلة حينئذ بين المزدغي، ومن يشترط صيغة مخصوصة لكن في القسم الأول فقط كما مرّ لأن للمزدغي ومن معه إنما هو لكون العادة قطعت بأن ذلك الفعل يدل على رضاها. وعلى القسم الأول ينبغي أن يحمل قول ناظم العمل: وفي النكاح إن بدا القبول إلخ. فتأمل هذا الذي ذكرناه بإنصاف ولا تغتر بما سبق للأذهان من الانحراف.
فإن قلت: الزوجة في نازلة المزدغي ومن معه مفتات عليها وحكمها منصوص للأقدمين كما قال (خ) أو أفتيت عليها وصح أن قرب رضاها بالبلد إلخ. فما وجه نسبتها للمتأخرين. قلت: المنصوص للأقدمين أن رضاها لا يكون إلا بالنطق كما يأتي، وهؤلاء جعلوا تلك الأفعال قائمة مقام نطقها لأن تلك الأفعال بمقتضى العادة كالنطق أو أقوى فلعله لذلك نسبت إليهم.
تنبيهات:
الأول: مما يشبه الأمليسية ما جرت عادة أهل فاس أنه إذا حصل الإيجاب من ولي الزوجة يتواعد مع أهل الزوج ليوم ووقت يجتمعون فيه في المسجد مع أهل الوجاهات من الشرفاء وغيرهم، فيجتمعون ويسمع الحاضرون من ولي الزوجة أنه زوج وليته من فلان ويقبل ولي الزوج أو من يدعي النيابة عنه ويعينون الصداق ويقرؤون الفاتحة وينصرفون ولا يسمعون من الزوج قبولاً ولا من المرأة توكيلاً لعدم حضورهما، ثم يطرأ موت أو نزاع فيحتج الزوج بأنه لم يحضر ولم يرض، والمرأة بأنها لم توكل، والحكم في هذه ظاهر مما مر إذ الصيغة فيها موجودة من الولي ولكن وقع الافتيات على الزوج والزوجة على زعميهما. فإن ثبت أنه وجد من الزوجة والزوج ما يدل على رضاهما لزمهما النكاح على خلاف ما يأتي في النكاح الموقوف على الطرفين، فإن لم يثبت شيء فقال القصار في جواب له نقله الزياتي فيمن عقد عليه أبوه أو أخوه نكاحاً ولم يسمع من الزوج إذن ولا قبول حتى مات بعد ثلاثة أعوام، والحال أن العاقد لم يدع توكيلاً ولا افتياتاً ما نصه: عاقد نكاح غيره وإن غائباً يحمل على الإذن لأن الغالب أنه لا يعقد أحد نكاح غيره إلا بإذنه، وجواب أخينا السراج بغير ذلك خلاف الصواب وحمل على أكل أموال الناس كجوابه بعدم انعقاد النكاح قبل الإشهاد وما وقع من ذلك لغيره إنما هو في قطر عادتهم أن كل ما فعلوه قبل الإشهاد لغو وليس قطرنا كذلك. اهـ. ونحوه لابن عرضون كما مرّ وصدق رحمه الله في كون قطرنا ليس كذلك إذ من مارس أنكحة فاس ونواحيها وجدها لا تقع إلا بإذن من الزوجين، وظاهر تعليله وصدر جوابه أن ذلك جار حتى في غيبة الزوجين معاً كما هي عادة فاس، وقوله: وجواب أخينا السراج إلخ. يريد أن السراج أفتى في مثل النازلة بعدم ثبوت النكاح قائلاً لأنه لا ينعقد إلا بقبول الزوج وقبوله لم يثبت. والحاصل أن الافتيات إما على الزوج أو على الزوجة أو على الولي كما تقدم ذلك عند قوله: والمهر والصيغة إلخ. والافتيات على الولي المجبر أو على غيره فيه تفصيل يأتي في ترتيب الأولياء وعلى الزوجة والزوج هو المشار إليه بقول (خ) عاطفاً على ما لابد فيه من النطق أو أفتيت عليها إلخ. وبقوله: وحلف رشيد وأجنبي إلخ إذ ذاك كله في النكاح الموقوف، وقد تقدم عن الفشتالي أن فيه أقوالاً ثلاثة والنكاح الموقوف كما للباجي الذي وقف على إجازة الولي أو أحد الزوجين، فهذا موقوف أحد طرفيه والموقوف طرفاه أن يوقف على رضا الزوج والزوجة، والصحيح فيه الفسخ مطلقاً وأما على أحدهما فيصح بالقيد المذكور في (خ) ابن رشد: إذا زوج الرجل وليته البكر أو الثيب أو ابنه الكبير أو الأجنبي في مغيبهم فلا يخلو إما أن يزعم حين العقد أنه أذن له فيه الغائب فلا يفسخ النكاح حتى يقدم الغائب فإن صدقه جاز النكاح وإن بعد وإن أنكر الإذن حلف ولم يلزمه، وإن قال لم آمره ولكني أرضى النكاح جاز النكاح في القرب دون البعد على المشهور، وأما إن يزعم حين العقد أنه لم يأذن له وأنه مفتات في عقده فالنكاح فاسد اتفاقاً قرب أو بعد، وأما أن يعقد ويسكت ولا يبين شيئاً فهو محمول على التوكيل حتى يثبت خلاف ذلك انتهى باختصار بنقل الزياتي. لكن ما ذكره من الاتفاق على الفساد في الوجه الثاني خلاف تفسير الباجي للنكاح الموقوف الجائز عندنا من أنه الذي يعقده الولي على وليته، ويشترط إجازتها وأنه لم يستأذنها إلخ. فهو كما لابن عرفة قادح في الاتفاق المذكور وإن كان (خ) درج في قوله ولم يقر به حال العقد على ما لابن رشد انظر شرح العمل عند قوله:
ومن تحمل عن ابنه النكاح ** وحمل الصداق عنه ليراح

الثاني: قال في التكميل عن ابن أبي زيد في الرجل يقول: زوجت ابنتي فلاناً إن رضي أن له الرضا بإجماع. قال: وسئل العبدوسي عمن أشهد أنه أنكح ابنته البكر من فلان بصداق مسمى فلم يبلغه الخبر إلا بعد سنين، فأجاب: هذا يجاب للرجل المذكور فيها فإن قبله الزوج حين بلغه صح نكاحه قرب أم بعد، ولا يجري فيه الخلاف الذي في النكاح الموقوف قال: وكثير من الطلبة يلبس عليه الفرق بين الصورتين. اهـ. ونحوه للقوري وذكر في نوازل الزياتي عن العبدوسي أن الفرق بين نكاح الإيجاب والنكاح الموقوف هو أن الإيجاب نكاح يعقده الأب على ابنته من غير أن يقصد العقد على الزوج، فهذا يصح مهما قبله الزوج ولو بعد طول وإن كان صغيراً وقبله بعد البلوغ أو قبله وكان في سن من يميز معنى ذلك ولم يرده بعد رشده فإنه منبرم أيضاً بخلاف الموقوف فإنه الذي يقصد به العقد على الزوج فإن قبله بالقرب، وكان أهلاً للقبول صح، وإن طال فسد على المشهور. اهـ.
قلت: وكأن هذا الفرق أخذه من كلام ابن رشد المتقدم وتأمل قوله: ولا يجري فيه الخلاف الذي في النكاح الموقوف إلخ. مع أن نازلته هي عين قول (خ) وصح إن مت فقد زوجت ابنتي بمرض وهل إن قيل بقرب موته تأويلان إلخ. لأن مسألة المرض راجعة بعد الموت لنازلته إذ الإيجاب وقع فيها معلقاً على الموت، ونازلة العبدوسي لا تعليق فيها، لكن اتحدتا بعد وقوع المعلق عليه، ولذا قال العوفي فيها التعليق وقع في الحياة ولا عبرة بطول مرضه أو قصره والإيجاب وقع مع الموت وهو الذي يشترط القبول عقبه. اهـ. وقد ذكر ابن رشد أن الأقوال الثلاثة التي في النكاح الموقوف تجري في مسألة المرض هذه كما في ضيح. اللهم إلا أن يكون مراد العبدوسي لا يجري فيه الخلاف الذي في الموقوف نصاً بل تخريجاً، لكن يقال هي وإن لم يجر فيها الخلاف الذي في الموقوف نصاً، لكن يجري فيها الخلاف الذي في مسألة المرض نصاً لأنها عينها على أن نازلته هي المتقدمة عن ابن القاسم عند قوله: والمهر والصيغة إلخ. ومسألة الإجماع المتقدمة ليس فيها التصريح بأن له القبول ولو بعد طول، بل هذه ظاهرة فيه فتحمل على القرب أي له الرضا بالقرب بإجماع، وأما بعد طول ففيه خلاف بدليل مسألة المرض وتخريج ابن رشد للأقوال يقتضي أنه لم يسلم الإجماع المتقدم وإلاَّ ما صح له التخريج لما تقرر في علم الأصول أن من قواد (ح) القياس كونه في محل نص أو إجماع، وقد علمت أن المشهور في الموقوف اشتراط القرب فيعلم منه اشتراط الفور بين القبول والإيجاب إلا الفصل اليسير، وينبغي أن يراعي ذلك التشهير أيضاً في مسألة المرض وما في معناها وهذا ما لم يكن زوجها من صغير وإلاَّ فلا يضر تأخير القبول اتفاقاً.
الثالث: قال ابن عرضون ونقله في نوازل العلمي فيمن عقد ليلة الثاني والعشرين بعد العشاء وشهد على الزوج بالقبول يوم الخامس والعشرين: هل تحسب تلك الليلة من الثالث والعشرين ويكون القبول داخل الثلاثة الأيام ما نصه: إن كان الأمر كما ذكر فلا يفسخ النكاح الموصوف. اهـ. قلت: وفي أنكحة المعيار في رجل عقد النكاح على أخته يوم الخميس وشهد على الزوجة يوم الجمعة وقد كان رجع الزوج عنه عشية يوم الخميس أن النكاح منعقد بإجازة الزوجة ورجوع الزوج يعد طلاقاً يلزمه النصف فانظره.
الرابع: قال في ضيح في المسائل التي لا يعذر فيها بالجهل: ومنها المرأة تزوج وهي حاضرة فتسكت ولا تنكر حتى يدخل بها الزوج ثم تنكر النكاح وتقول: لم أرض إلخ. وسئل ابن مرزوق عمن علاتهم عدم الكتب حين العقد هل يكلف الزوج بعد البناء إثبات النكاح وأن القبول وقع ناجزاً فقال: دعوى المرأة عدم الرضا بعد البناء لا تقبل إلا ببينة ولا تعزل عن الزوج بمجرد دعواها ومحمل النكاح على الصحة حتى يتبين الفساد.
وَرُبْعُ دِينارٍ أَقَلُّ المُصْدَقِ ** وَلَيْسَ لِلأَكْثَرِ حَدَّ ما ارْتُقِي

(وربع) خبر (دينار) مضاف إليه (أقل) مبتدأ (المصدق) بضم الميم وسكون الصاد اسم مفعول مضاف إليه أي أقل الصداق ربع دينار ذهباً وصرفه اثنا عشر درهماً شرعياً كصرفه في باب الدية، والصرف واليمين والسرقة بخلاف صرفه في الزكاة والجزية فعشرة دراهم فقط، وقد نظم ذلك (تت) فقال:
ديات وصرف مع يمين وسارق ** نكاح زكاة جزية تم عدها

فصرف أخيرها بعشر دراهم ** وللباقي زده اثنين غاية عدها

وسيأتي في بيع الحاضن أن صرفه هناك ثمانية دراهم. (وليس) فعل ناقص (للأكثر) خبرها مقدم (حد) اسمها مؤخر (ما) نافية (ارتقي) بالبناء للمفعول، والجملة صفة لحد أي ليس لأكثره حد من نعته وصفته لا يرتقي عليه ولا يتجاوز لقوله تعالى: {وآتيتم إحداهن قنطاراً} (النساء: 20) ابن رشد: والقنطار ألف دينار ومائتا دينار إلا أن اليسارة فيه أحب لأهل العلم والمغالاة فيه مكروهة كما في (خ) وغيره قال في المقدمات: كانت صدقات أزواج النبي (صلى الله عليه وسلم) وبناته على قدر علو قدره وقدرهن اثنتي عشرة أوقية ونشاً والأوقية أربعون درهماً، والنش عشرون درهماً فذلك خمسمائة درهم.
أَوَ مَا بِهِ قُوِّمَ أَوْ دَرَاهِمُ ** ثَلاَثَةٌ فَهْيَ لَهُ تُقَاومُ

(أو) للتنويع (ما) موصولة واقعة على العرض ونحوه معطوفة على ربع (به) يتعلق بقوله: (قوم) والجملة صلة والرابط الضمير النائب في قوم والضمير المجرور يعود على ربع أي أقل الصداق ربع دينار أو عرض قوم به يوم العقد يعني أو بثلاثة دراهم فأيهما ساواه صح به النكاح، ولو نقص عن الآخر كما في (ز) وقيل لا يعتبر التقويم إلا بالدراهم. (أو) للتنويع أيضاً (دراهم) معطوف على ربع أيضاً (ثلاثة) صفة (فهي) مبتدأ والفاء سببية (له) يتعلق بقوله (تقاوم) أي تعادل وتماثل والجملة خبر والضمير المجرور يعود على ربع، ومفهوم أقل أنه إن نقص عما ذكر فسد وهو كذلك (خ) وفسد إن نقص عن ربع دينار أو ثلاثة دراهم خالصة أو مقوم بهما وأتمه إن دخل وإلاَّ بان لم يتمه فسخ فملخصه أنه إن بنى لزمه إتمامه وإلاَّ فإن أراده لزمه الإتمام أيضاً فإن لم يرده وعزم على عدم الإتمام فسخ وإلاَّ بقي له الخيار إلا أن تقوم الزوجة بحقها لتضررها قاله (ز) وقوله: فسخ أي على المشهور. وقال ابن وهب: لا يفسخ وإن وقع بالدرهم والشيء اليسير كالشافعي قائلاً لا حدَّ لأقله كما لا حد لأكثره فكل ما جاز أن يكون ثمناً لشيء أو أجرة لشيء جاز أن يكون مهراً وبه قال أحمد وإسحاق. وقال أبو حنيفة: أقله دينار أو عشرة دراهم. وقوله: فسخ أي بطلاق لأنه مختلف فيه ولها نصف المسمى كما قال (خ) وسقط بالفسخ قبله الإنكاح الدرهمين فنصفهما إلخ.
ولما ذكر أقل الصداق ذكر قدر الثلاثة دراهم الشرعية بدراهم وقته فقال:
وَقَدْرُهَا بِالدَّرْهِم السَّبْعَينِي ** نحوٌ مِنَ العِشْرِينَ في التَّبْيِينِ

(وقدرها) مبتدأ والضمير للثلاثة دراهم (بالدرهم) يتعلق بالمبتدأ (السبعيني) صفة وهو نسبة إلى سبعين أحد العقود أي الدرهم الذي سبعون منه في الأوقية الشرعية والأوقية الشرعية أربعون درهماً شرعياً قال ابن جزي: إن الدراهم كانت في الأندلس سبعين في الأوقية، ثم ردت ثمانين في الأوقية ونحوه في (ق) قاله (ت) (نحو) خبر المبتدأ (من العشرين) يتعلق به (في التبيين) في موضع الصفة لنحو قال الشارح عن بعضهم أن الدرهم الشرعي فيه من دراهمنا يعني السبعينية ستة دراهم وثلاثة أعشار الدرهم قال: ولا شك إنك إذا ضربت ثلاثة في ستة وثلاثة أعشار كان الخارج ثمانية عشر وتسعة أعشار. ولذا قال الناظم: نحو أي يقرب من العشرين، وقد يكون فيها مع ذلك غش أو نقص فلذا قال:
وَيَنْبَغِي في ذاكَ الاحْتِياطُ ** بخَمْسَةٍ بِقَدْرِها تُنَاطُ

(وينبغي) مضارع (في ذاك) يتعلق به والإشارة للتبيين (الاحتياط) فاعل (بخمسة) يتعلق بالاحتياط أي بزيادة خمسة على العشرين فتكون خمسة وعشرين (بقدرها) يتعلق بقوله: (تناط) بالبناء للمفعول والجملة تعليل لما قبلها أي ينبغي الاحتياط في ذلك البيان بزيادة خمسة إذ يقدرها مع العشرين تناط وتضبط الثلاثة الشرعية، والنوط التعليق يقال ناطه ينوطه أي علقه، ومعنى التعليق هنا الضبط لأنه يفسر في كل شيء بما يناسبه، ألا ترى أنه في تعليق القدرة بالممكنات بمعنى التأثير، وفي تعليق العلم بالمعلومات بمعنى الانكشاف، وفي تعليق المجرور بعامله بمعنى أنه معمول له والله أعلم.
تنبيهان:
الأول: ما ذكره الشارح عن بعضهم من أن الدرهم الشرعي فيه من الدراهم السبعينية ستة دراهم وثلاثة أعشار إلخ. غير ظاهر إذ الذي تقتضيه القسمة الحيسوبية على ما مرّ من أن سبعين منها في الأوقية والأوقية أربعون درهماً شرعياً أن يكون كل درهم شرعي فيه من الدراهم السبعينية درهم وثلاثة أرباع الدرهم، فالثلاثة دراهم على هذا هي خمسة دراهم سبعينية وربع درهم، فيشكل حينئذ قول الناظم نحو من العشرين إلخ. اللهم إلا أن يقال معناه نحو من العشرين ربعاً منه أي من الدرهم السبعيني ونحو الشيء ما يزيد عليه بيسير أو ينقص عنه كذلك كما قاله شراح المتن في فصل الحيض عند قوله النصف ونحوه إلخ.
الثاني: قدر الثلاثة الشرعية بالدرهم الفاسي الإسماعيلي عشرة دراهم أي عشر مزونات إسماعيلية هي ثلاثة دراهم شرعية لأن الدرهم الشرعي فيه من الدراهم أي المزونات الإسماعيلية ثلاثة وثلث بالوزن المرضي قاله (ت).
قلت: وسمعت من أشياخنا أن الدرهم السليماني الذي فيه ست مزونات سليمانية هو الدرهم الشرعي أو يقرب منه، فينبغي الزيادة على ذلك للاحتياط.
وَمِنْهُ ما سُميَ أَوْ ما فُوِّضا ** فِيهِ وحَتْماً لِلدُّخُولِ فُرِضَا

(ومنه) خبر عن (ما) الموصولة وصلتها (سمي) بالبناء للمفعول ونائبه ضمير الصداق والرابط بين الموصول وصلته محذوف وإن لم تتوفر شروط حذف العائد فهو كقوله:
ومن حسد يجور على قومي ** وأي الدهر ذو لم يحسدوني

أي: ومن النكاح النكاح الذي سمي الصداق فيه وقدر كما يسمى الثمن في المبيع إلا أنه يجوز فيه خفيف الغرر لبناء على المكارمة دون البيع (خ) الصداق كالثمن ثم قال: وجاز بشورة وعدد من كإبل أو رقيق أو صداق مثل ولها الوسط حالاً الخ ثم إذا سمي عيناً ودفع عنها حلياً وشورة كما هي عادة أهل البوادي يسمون الصداق دنانير أو دراهم، ثم يأتي الزوج بكسوة وحلي ذهب أو فضة ويقول: اشتريت هذا بكذا وهذا بكذا فأفتى السيوري بفساد النكاح.
قلت: يريد ويفسخ قبل البناء فقط ومحل فساده كما للبرزلي إذا لم يكن ما يأتي به معروفاً لا يختلف في عوائدهم وإلاَّ جاز لأن العادة كالشرط وكأنه تزوجها بتلك الكسوة وذلك الحلي ابتداء لأن الضمائر منعقدة على أن الصداق هو تلك السلع وذلك الحلي والتسمية لغو ولا يحتاج إلى حيازة لأنه ليس بتصيير كما يأتي في فصله وما علل به بعضهم إطلاق فتوى السيوري من أن ذلك يؤول إلى ربا النسا في النقد لأن العادة كالشرط يرد بأن النقد المسمى في العقد لم يتقرر في الذمة حيث كان العرف أنه يأتي بغيره، فكأن النكاح انعقد ابتداء على شورة يأتي بها قيمتها كذا. ويؤيد هذا ما في بيوع البرزلي من أنه إذا سمي في البيع دنانير، والمقصود صرفها بدراهم أو وقع البيع بجزء من دينار إلى أجل ودخلا على أن يعطيه فضة قدرها كذا جاز ذلك. ويكون التعامل بالفضة لا بالذهب، وقد نص عليه أواخر صرف المدونة، وذكر في المعيار عن ابن مرزوق فيمن اشترى شقصاً بدراهم ونقد زيتاً أنهما إن دخلا على ذلك ابتداء فالشفعة بالزيت وبمثل ما للبرزلي أفتى أبو الفضل بن راشد وغيره، وأفتى جماعة منهم أبو سالم الجلالي بما للسيوري من الإطلاق وقد علمت ضعفه والله أعلم. قاله أبو العباس الملوي وقال ناظم العمل:
وما إلا صدقة من مجرد ** تسمية العين بلا تخلد

بذمة مقوماً فجائز إلخ.
(أو) عاطفة (ما) موصولة واقعة على النكاح معطوفة على ما الأولى (فوضا) بالبناء للمفعول صلتها ونائبه ضمير الصداق (فيه) يتعلق بالصلة هو الرابط والتفويض كما لابن عرفة عقد دون تسمية مهر، ولا إسقاطه ولا صرفه لحكم أحد فخرج بالقيد الأول نكاح التسمية، وبالثاني النكاح الذي دخلا على إسقاط الصداق فيه فإنه فاسد يفسخ قبل البناء كما في الشامل وبالثالث نكاح التحكيم. قال الرصاع: ويرد عليه إذا جرت العادة والعرف بمهر، ولم تقع تسمية فعن اللخمي أنه تفويض، وعن المازري أنه يسميه. وقال ابن رحال: هذا لا يرد على حد ابن عرفة لأنه حيث كان المهر معروفاً عندهم عادة فالتسمية فيه موجودة ونص ما في المعيار والبرزلي. سئل المازري عن أنكحة البادية والعادة أنهم لا يسمون صدقاتهم ولا يشهدون عليها وقت العقد بل عند البناء والصداق عندهم معروف لا يزاد عليه لجمال ولا ينقص عنه لقبح، فهل يحكم له بحكم التفويض يسقط في الموت ويجب الميراث ويسقط بالطلاق قبل البناء؟ فقال: إن انتهت العادة بأنهما ما سكتا عن التسمية إلا للعلم بها وتفاهمهما أن كل واحد منهما عقد عليها فهو نكاح سمي صداقه وإن سكت عن التسمية والزوج غير ملتزم إليها بل فوض الصداق إليه أو إليها فيفرض صداق المثل، فهذا حكمه حكم التفويض فلها منع نفسها من الدخول حتى يفرض لها ثم قال: ولو أشكل الأمر في قصدها فالأصل أنه تفويض إذا زعم أنه كذلك اه باختصار. ثم إذا انعقد النكاح على التفويض فلها منع نفسها من الدخول حتى يفرض لها فإن فرض لها صداق المثل أو أكثر لزمها، وإن فرض لها أقل لم يلزمها، وله حينئذ أن يطلق ولا شيء عليه كما لا شيء عليه في الموت وفيه الإرث، فإن لم يفرض لها حتى دخل لزمه صداق المثل كما قال: (وحتماً للدخول فرضا) فاللام بمعنى بعد كقوله تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس} (الإسراء: 78) أي فرض صداق المثل بعد الدخول فرضاً حتماً أي وجوباً محتماً صفة لمصدر محذوف بمعنى محتماً وللدخول يتعلق بفرض، وأما قبل الدخول فلا يتحتم الفرض إذ لها أن لا تمنع نفسها قبله كما مرّ وله أن يفارق ولو بعد إرادة الدخول. وقول المدونة ليس للزوج البناء حتى يفرض معناه إذا منعت نفسها منه قبل الفرض، وبالجملة إن أراد الدخول ومكنته جاز إلا أنه يكره دون أن يقدم ربع دينار، وإن امتنعت من تمكينه حتى يفرض لها لزمه أحد أمرين: إما الفراق أو الفرض، ولا يحمل النظم على هذا الأخير بجعل اللام للتعليل على حذف الإرادة لأن قوله حتماً ينافيه إذ لا يتحتم الفرض في هذا الوجه كما لا يتحتم عليه إذا لم يرد الدخول وطلبته هي بالفرض، بل يجبر على أحد الأمرين السابقين (خ) ومهر المثل ما يرغب به مثله فيها باعتبار دين وجمال وحسب ومال وبلد وأخت شقيقة أو لأب الخ والحسب ما يعد من مفاخر الآباء ككرم ومروءة.
وكُلُّ ما يَصِحُّ مِلْكاً يُمْهَرُ ** إلاَّ إذَا ما كَانَ فِيهِ غَرَرُ

(وكل) مبتدأ (ما) موصول مضاف إليه (يصح) صلة (ملكاً) تمييز محول عن الفاعل أي ملكه (يمهر) خبر (إلا) استثناء (إذا) ظرف مضمن معنى الشرط خافض لشرطه منصوب بجوابه (ما) زائدة (كان) فعل ناقص (فيه) خبر كان (غرر) اسمها والضمير المجرور بفي يعود على ملكاً على حذف مضاف أي إلا إذا كان في بيعه غرر إذ الغرر إنما هو من عوارض البيع لا من عوارض الملك، والجملة في محل جر بإضافة إذا وجوابه محذوف أي: فلا يصح كونه مهراً، وبهذا تكون عبارته مساوية لقول ابن زرقون، ولا يجوز أن يكون صداقاً إلا ما يجوز ملكه وبيعه وحاصل معنى النظم أن كل ما يصح ملكه يصح كونه مهراً إلا أن يكون في بيعه غرر كثير كعبد آبق وجنين وبعير شارد وثمرة لم يبد صلاحها ونحو ذلك كجهل بكقدره ويفهم منه أن ما يصح تملكه ولكنه لا يباع أصلاً كجلد الميتة والأضحية والزيت المتنجس والمدبر وأم الولد لا يكون صداقاً بالأحرى لأنه إذا كان لا يصدق ما يصح بيعه لولا الغرر، فأحرى الذي لا يصح بيعه أصلاً فالناظم نص على المتوهم ليفهم غيره بالأحرى، فعبارته رحمه الله وافية بالمقصود والله أعلم (خ) الصداق كالثمن وشمل قوله ملكاً الذوات والمنافع فيدخل فيه نحو قوله تعالى: {على أن تأجرني ثماني حجج} (القصص: 27) على المذهب، ويؤيده الحديث أنكحها بما معك من القرآن وشرع من قبلنا شرع لنا كما في البرزلي وقولي كثير احترازاً من اليسير، فإنه يغتفر في الصداق فيجوز بشورة وصداق مثل كما مرّ، ولا يجوز ذلك في البيع فالغرر اليسير يفترق فيه النيع والنكاح. ابن سلمون: ولابد من بيان السكة إن كان الصداق دنانير أو دراهم، فإن سقط ذكرها كان لها السكة الجارية في البلد في تاريخ النكاح فإن اختلفت أخذت من الأغلب فإن تساوت أخذت من جميعها بالسوية كمن تزوج برقيق ولم يصف حمراناً ولا سوداناً. اهـ. ونحوه في المتيطية، ومثل هذا يأتي في البيع إن شاء الله.
والمَهْرُ والصَّدَاقُ ما قَدْ أُصْدِقَا ** وفي الْكِتابِ بالمَجازِ أُطْلِقَا

(والمهر والصداق) مبتدأ ومعطوف عليه (ما) موصول خبر (قد أصدقا) بالبناء للمفعول صلة (وفي الكتاب بالمجاز) يتعلقان بقوله: (أطلقا) بالبناء للمفعول ونائبه ضمير الصداق وألفه للإطلاق لا للتثنية (وفي) بمعنى (على) ويحتمل وهو الظاهر أن الباء في قوله بالمجاز زائدة لا تتعلق بشيء لأنه منصوب على المفعولية المطلقة جر بالباء الزائدة أي إطلاقاً مجازياً ومعناه أن المهر والصداق اسمان لشيء واحد وهو ما يدفع للزوجة صداقاً، ويطلق الصداق وحده على الكتاب الذي تقع فيه شهادة النكاح مجازاً، وإنما حقه أن يسمي كتاب الصداق أو كتاب النكاح قاله ابن سلمون. ولعل الناظم إنما ذكر هذه المسألة مع أن مرجعها إلى اللغة التي لم تقصد بهذا النظم لينبه على أن المرأة إذا اعترفت بإعطاء صداقها لزوجها أو غيره، فزعم الزوج أو الغير أنها أعطته ما فيه هبة عليه وزعمت هي أنها أعطته رسمه ليكون وديعة عنده، فإن القول لها لأنها ادعت ما هو عرف الناس من إطلاق الصداق على الرسم المكتوب فيكون البيت المذكور راجعاً لبيان الأحكام المقصودة من هذا النظم على هذا الاعتبار إذ لا زال على ذلك عرف الناس إلى الآن والله أعلم.
وَيُكْرَهُ النِّكَاحُ بالمُؤَجَّلِ ** إلا إذَا ما كانَ مَعْ مُعَجَّلِ

(ويكره) بالبناء للمفعول (النكاح) نائبه على حذف مضاف أي عقد النكاح (بالمؤجل) يتعلق بيكره أي يكره عقده بالصداق المؤجل كله بدليل قوله: (إلا) استثناء (إذا) ظرف مضمن معنى الشرط خافض لشرطه منصوب بجوابه (ما) زائدة (كان) فعل ناقص واسمها ضمير المؤجل (مع) بسكون العين (معجل) مضاف إليه والظرف يتعلق بمحذوف خبرها، ويحتمل أن تكون تامة أي إلا إذا كان المؤجل مصحوباً بمعجل أو وجد المؤجل مع معجل بأن عقداه على أن بعضه مؤجل وبعضه معجل فلا كراهة عند ابن القاسم، وعليه عمل الناس اليوم حتى أنه في القوانين جعل ذلك مستحباً، وكرهه مالك بالمؤجل مطلقاً، وعليه اقتصر (خ) حيث قال: وكراهته كالمغالاة فيه والأجل إلخ. ثم إذا قلنا بصحته بالمؤجل مع كراهته أو بدونها فلابد أن يكون الأجل معلوماً. قال في الشامل: وفسد بمؤجل بعضه بكمشيئته أو بكموت أو فراق. وقال (خ) أيضاً عاطفاً على الفاسد ما نصه: أو بعضه لأجل مجهول أو لم يقيد الأجل إلخ. والمراد أنه يفسخ قبل البناء وإن رضي بتعجيله ويثبت بعده بالأكثر من المسمى وصداق المثل كما لشراحه، وإذا قلنا لابد من علم الأجل فاختلف في الحد الذي يؤجل إليه ففي ابن سلمون والكالئ هو المؤخر وتأجيله إلى العشرين فما دون جائز باتفاق وهو معنى قوله:
وَأَمَدُ الكَوالِئِ المُعَيَّنَهْ ** سِتَّةُ أَشْهُرٍ لِعِشْرِينَ سَنَهْ

(وأمد الكوالئ) مبتدأ ومضاف إليه (المعينه) بفتح الياء صفة أي المعينة آجالها كقوله تعالى: {في عيشة راضية} (القارعة: 7) (ستة أشهر) خبر لمبتدأ مضمر أي الحائز من ذلك التأجيل ستة أشهر إلخ. والجملة من المبتدأ الثاني وخبره خبر الأول، ويحتمل أن يقدر هذا الإضمار قبل قوله: وأمد إلخ. أي والجائز من أمد أي أجل الكوالئ المعينة آجالها هو ستة أشهر (لعشرين سنه) واللام بمعنى إلى وسنة تمييز.
بِحَسَبِ المهُورِ في المِقْدَارِ ** وَنِسْبَةِ الأزْوَاجِ والأَقْدَارِ

(بحسب) خبر لمبتدأ مضمر أي وذلك يختلف بحسب اختلاف (المهور في المقدار) أي في مقدارها قلة وكثرة حال معاقبة للضمير (و) يختلف بحسب (نسبة الأزواج) صغراً وكبراً ولو قال وسني الأزواج (والأقدار) لكان أحسن قاله (م) قال ابن أبي لبابة: إن كان الزوجان صغيرين أجل الكالئ لعشرين سنة ونحوها. ابن عرفة، عن التونسي: التحقيق أنهم إنما كرهوا البيع والنكاح إلى بعيد الأجل الذي لا يجاوز عمر الإنسان لأنه يصير غرراً كحلوله بموته ولو نكح أو اشترى ابن ستين إلى عشرين لم يجز لأن الغالب أنه لا يعيش لذلك بخلاف ابن العشرين لأن حياته له مما الغالب أنه يعيش له جائز اتفاقاً وما لا يعيش إليه غير جائز اتفاقاً. وقول الناظم: والأقدار أي بحسب ضعة الأقدار وارتفاعها. وظاهره بل صريحه أن الاختلاف بما ذكر إنما يعتبر داخل العشرين، وأما ما زاد عليها لا يجوز تأجيله إليه ويفسخ وهو رأي ابن وهب، وبه كان يقول ابن القاسم أيضاً، ثم رجع ابن القاسم إلى أنه لا يفسخ في الثلاثين ولا في الأربعين بل فيما فوقها، وعنه أيضاً لا يفسخ إلا في الخمسين لأنه كما للبساطي مظنة إسقاطه وظاهره، ولو كان الزوجان صغيرين يبلغه عمرهما ظاهراً وهو المعتمد وعليه حمل الشراح قول (خ) أو زاد على خمسين سنة وعنه أيضاً لا يفسخ إلا في السبعين والثمانين. ابن عرفة: ما أجل لأجل مجهول يفسخ قبل البناء فإن بنى جاز النكاح وما بمائة نقداً ومائة لموت أو فراق المشهور كذلك، ومفهوم المعينة أي آجالها أن الأجل إذا لم يعين كان فاسداً كما مر.
ويترتب على ذلك فروع. الأول: إذا كان العرف أن الصداق إلى موت أو فراق، ولكن عند الإشهاد يكتبونه على الحلول وطلبت الزوجة قبضه واحتجت بالكتابة المذكورة، فهل تمكن من قبضه من الزوج إذا لم يكن طلاق؟ ففي البرزلي أنه سئل ابن عرفة عن ذلك فقال: اختلف فيها الشيوخ فقيل: يقضي لها، وقيل: لا لجري العادة بأنه لا يطلب إلا إلى موت أو فراق فألزم كون أنكحتهم فاسدة لأن العادة كالشرط فالتزمه قال: وفرق بين ما جرت العادة بتأخيره وبين ما جرت العادة بأن المرأة لا تقوم بطلبه، ونقله العلمي أيضاً وزاد إثره عنه كان شيخنا ابن عبد السلام لا يقضي به، ثم كتب لبعض تلامذته بالقضاء به كدين حال. اهـ. وتأمل قوله: وفرق بين ما جرت العادة بتأخيره إلخ. فإن الظاهر أنه لا فرق بينهما على أنه إذا جرى العرف في شيء بما يوجب فساده فلا وجه للتحرز منه إلا بالإشهاد بما يوجب جوازه من حلول أو أجل معلوم، ونحو ذلك، فكيف يقال بإلغاء الإشهاد المذكور، اللهم إلا أن يقال أن قصدهم به عدم التحرز لكون عرفهم جرى بذلك فتأمله. ثم ذكر العلمي المذكور في نوازل الإقرار عن أبي عبد الله القوري وأبي العباس أحمد الزقاق أن المرأة لا تمكن من قبض الكالئ بعد حلوله ولا يقضى لها بقبضه إلا عند موت أو فراق لأن العادة جرت بذلك. اهـ. وذكر ابن سلمون أول الأنكحة القولين القضاء للمتقدمين وعدمه للمتأخرين قال: وعليه القضاء الآن. اهـ. وظاهر قولهم لجري العادة إلخ. أنه يحل بالطلاق كما يحل بالموت فإذا طلقها وبعضه لم يحل أدى لها الجميع للعادة المذكورة، ورأيت بعض أهل سجلماسة طلق زوجته فطالبته بما لم يحل منه فأمرها القاضي إن ثبت أن عادتهم ذلك.
الثاني: إذا تزوجها بمائة ولم يسم نقداً ولا كالئاً فهي حالة كما مرّ عن المدونة عند قوله: والمهر والصيغة إلخ. وقد تقدم هناك أن أبا الحسن قال: إذا اتفق هذا في زماننا فالنكاح فاسد لأن العرف جرى أنه لابد من الكالئ فيكونان قد دخلا عليه ولم يضربا له أجلاً، لكن قال في الفائق عن بعضهم: إن قول أبي الحسن إنما يجري على قول ابن مغيث عن بعضهم أنه إذا كان أجل الكوالئ متعارفاً عند قوم فتزوج على نقد وكالئ ولم يضربا له أجلاً فإنهما يحملان على العرف ويكون النكاح صحيحاً، وأما على المشهور من أنه لا يراعي العرف ويكون النكاح فاسداً فالجاري عليه صحة النكاح ويحكم بالحلول ولا يعتبر العرف إذ لا يفسر ما أبهمه المتعاقدان وهو خلاف قول أبي الحسن في المسألة. اهـ. وما ذكره ابن مغيث نقله ابن سلمون وغيره.
قلت: وهذا يشبه ما قالوه في البيع فيمن ابتاع سلعة بثمن وادعى أنه مؤجل. وقال البائع: حال من أن السلعة إذا كان لها أجل معروف تباع عليه فالقول لمدعيه فانظر ذلك عند قول (خ) في الإقرار وقبل أجل مثله في بيع إلخ. وعند قوله في اختلاف المتبايعين فالقول لمنكر التقضي إلخ. وهذا كله إذا كان للكالئ أجل معروف غير الموت والفراق، أما إذا كان لا عادة لهم فيه إلا هذين كما مرّ في الفرع قبله أو تارة بهما وتارة بغيرهما فلا إشكال في الفساد، ولعله مراد أبي الحسن، وبالجملة فالكلام فيما قاله أبو الحسن ثبت بمجرد العادة وتأجيله بالموت والفراق كذلك فيكون فاسداً لأنه إذا فسد للعادة بتأخيرهما مع الإشهاد بما يوجب الصحة على خلاف فيه على ما مرّ فينبغي أن يتفق على فساده فيما إذا لم يقع إشهاد أصلاً. وقال ابن مغيث وصاحب الاستغناء: إنما هو فيما إذا ثبت الكالئ بالنص أو بالإقرار وكان عرفهم تأجيله بغير الموت والفراق كما يعلم من كلاميهما المتقدم فالغرر في الموت والفراق أشد منه في غيرهما فقول الفائق أن ما لأبي الحسن جار على ما لابن مغيث يريد في مراعاة مطلق العرف لا من كل وجه. وقوله: وأما على المشهور إلخ. ما ذكره من أن المشهور عدم مراعاة العرف هو ظاهر قول الناظم الآتي: وأجل الكالئ مهما أغفلا إلخ. وهو ظاهر المتيطية والفشتالي وابن سلمون وغيرهم وظاهرهم أن ما لابن مغيث مقابل، ولكن قد علمت من الفرع الذي قبل هذا أن المتأخرين على اعتباره وعليه جاءت فتاويهم كما مرّ عن القوري والزقاق، وفي المعيار عن العبدوسي في امرأة ضاع رسم صداقها فطلبت هي أو ورثتها كالئها بعد موت زوجها أن المتأخرين اختلفوا، فمنهم من قال: يقضي لها بكالئ مثلها مع يمينها إذ العادة ترك طلبها له إلا عند موت أو فراق، ومنهم من قال: لا يقبل قولها لأن الأصل البراءة وقد يتزوجها بغير كالئ ويلزم الورثة اليمين إذا ادعت عليهم معرفة ذلك، وبالأول أفتى أبو الحسن الصغير وبالثاني أفتى غيره. اهـ.
قلت: ما أفتى به أبو الحسن نقله صاحب الدر النثير والبرزلي عن أبي صالح، وأفتى به غير واحد من المحققين كابن هلال والونشريسي وابن عرضون حسبما في الزياتي وغيره، واقتصر عليه غير واحد حتى قالوا إنه لا تهمة في إقرار الزوج لزوجته في المرض بكالئها لأنه لو لم يقر به لأخذته من تركته بدون إقرار للعادة المذكورة، فلو لم تراع العادة المذكورة عندهم ما أفتوا بوجود الكالئ وببقائه في ذمته مع أنه قد يتزوجها بدونه، كيف وقد تقدم في الفرع قبله أن المتأخرين على عدم تمكينها من طلبه لتلك العادة وأن القضاء بقولهم وظاهرهم أنها تحاصص به أرباب الديون الثابتة بالبينة لأن العرف قائم مقام شاهد أو شاهدين كما مرّ والشاهد الواحد يحاصص به صاحبه مع ذي الشاهدين وأن كالئها لا يبطل بطول الزمان كالديون على المعتمد فيها، وممن أفتى بأنه لا كالئ لها إذا قامت البينة عليه ابن لبابة ونحوه لسيدي إبراهيم اليزناسني حسبما في نوازل الدعاوى من المعيار فتبين أن المعتمد عند أكثر المتأخرين هو مراعاة العرف المذكور، وعليه فيكون النكاح معه فاسداً عندهم لأنه لموت أو فراق وما لابن مغيث فيما إذا كان العرف مضبوطاً بغيرها كما مرّ والعادة اليوم عندنا أنه يكتب مؤجلاً من العشرة إلى العشرين كما للناظم، ولكن لا يطلب إلا بموت أو فراق فيجري فساده على الخلاف المتقدم إن كانوا لا يقصدون فيما يظهر بضرب الأجل الخروج من الفساد كما مرّ فحرر النقل في ذلك، وانظر الشراح عند قول (خ) أو بعضه لأجل مجهول والله أعلم.
الثالث: في أنكحة المعيار سئل اللخمي عمن يقول يكون الصداق وقت الابتناء ولم يعين وقته هل يفسد؟ فأجاب: بأن النكاح جائز وهو القياس لأن الثمن يدفع عند قبض المبيع لأنه متى عجلت السلعة تعجل قبض الثمن ومتى تأخرت تأخر. قال سيدي العربي الفاسي: وهو الأشبه لأن مراد الناس بذلك أن وقت قبض النقد من حين العقد إلى حين البناء فيكون على معنى الحلول إلخ. وعلى هذا عمل فاس قال ناظمه:
والنقد إن أجل بالدخول ** إليه من عقد على الحلول

لأن المعنى أن النقد على الحلول فتطلبه المرأة متى مكنت من سلعتها، وذلك في طوقها من الآن كما أن السلعة في البيع كذلك خلافاً للسيوري القائل بفساد النكاح إن لم يعلم وقت الدخول وهو ظاهر قول (خ) وإلى الدخول إن علم إلخ. ومحل ما للخمي ومن معه إذا كانت مطيقة وهو بالغ فإن كانت غير مطيقة أو كان هو غير بالغ تعين على التنصيص على الحلول أو يعين الأجل.
الرابع: إذا مات أحد الزوجين قبل الدخول في النكاح المؤجل نقده بليلة البناء وهي مجهولة أو كان كالئه إلى غير أجل، وقلنا بفساد النكاح فالذي في ضيح عن ابن رشد: أنه لا صداق في الفاسد لصداقه على الصحيح، وإنما فيه الميراث. ونقل العلمي عن والده أن الذي ارتضاه المتأخرون، وبه كان يفتي العبدوسي وابن آملال إجراؤه مجرى نكاح التفويض فيه الإرث دون الصداق. قال: وبه العمل ونقل قبل ذلك عن سيدي العربي الفاسي وسيدي محمد بن سودة أنهما أفتيا فيه بلزوم الإرث والصداق معاً. قال ابن سودة: واللازم فيه هنا المسمى، وذكر أبو الحسن أوائل النكاح الثاني من المدونة في الفاسد لصداقه أقوالاً يمضي بالعقد يفسخ قبل ويثبت بعد، فإن طلق قبل الدخول لم يكن لها شيء كالتفويض يفسخ قبل وبعد قال: واختلف في تأويل قول مالك في الفسخ قبل فمنهم من جعله على الإيجاب عقوبة له لئلا يعود إلى مثل ذلك، ومنهم من جعله على الاستحباب والاحتياط ليخرج من الخلاف انتهى باختصار. فانظره وهذه الفروع لها تعلق أيضاً بما يأتي في قوله:
وأجل الكالئ مهما أغفلا إلخ.